حقائق وأحلام

كان القمر مشرقا والليلة دافئة،وكان الناس مستلقين على ظهورهم لايلبسون سوى ثياب خفيفة للنوم،كانوا بلباسهم هدا يعلنون التحدي في وجه الحرارة المفرطة،وحينما تسلل النوم رويدا رويدا إلى بعضهم ،خمدوا وانتظمت أنفاسهم ..تغامز المستيقظون إعلانا للنصر والقدرة على المقاومة والاستمرارية في السهر.ومع مرور اللحظات ،غصت القاعة بالأحياء وشبه الأموات وشحبت الوجوه المستيقظة والنائمة..هده الوجوه التي فقدت، مع الزمن، مرونتها وحيويتها إلى أن استسلم الجميع في النهاية إلى سبات يختلف عمقه من شخص لآخر، فكان يخيل للناظر أن المكان فوضى وبلا حياة..وأن الوهن يتسرب بسرعة، سواء إلى أقوياء أو ضعاف البنيات، أما هؤلاء الأحياء الأموات فقد انتقلوا فجأة من مرحلة اليقظة إلى مرحلة الحلم، وما أدراك ما مرحلة الحلم؟ فكل الناس من حقهم أن يحلموا ويتفننوا في الحلم،لافرق في دلك بين القوي والضعيف،ولابين الأبيض والأسود،فكل الناس سواء..وكلهم يدركون جيدا قاعدة الحلم ولكنهم يصطدمون بقواعد الحقيقة..فدلك الشاب الوسيم الذي برزت ملامح قوته من بريق عينيه، استغرق في الحلم طويلا، ودخل عبره متاهات كثيرة خاضها مع تلك الفتاة التي انتظرته كثيرا.ودلك الكهل، الذي رسمت تجاعيد الزمن على قسمات وجهه، خطوطا عريضة، سافر بدوره إلى سنوات عمره المنفلتة، وتحسر على أشياء كثيرة ضائعة..وتلك الفتاة التي أفنت ريعان شبابها مابين الأوراق والأقلام، مابين المدرجات والأقسام، استغرقت بدورها في آلام كثيرة وآهات..-واللائحة طويلة-ومن المؤكد أنهم كلهم عاشوا مرحلة حالمة،ففرائصهم التي ترتعد بين حين وآخر،وعضلات وجوههم التي تتقلص تارة وترتخي أخرى،والتجاعيد والدموع المترقرقة دوما في الأحداق..كلها علامات تدل على كونهم يخوضون في الأحلام..
مرت ساعات وربما سنوات، وهده الأخيرة تفرض نفسها عليهم بكل قوة وعنف، ومع بزوغ فجر النهار..مع الأشعة الأولى لشمس يوم جديد، استيقظ الحالمون وعلامات التعب بادية على وجوههم، فتساءلوا كم لبثوا من الوقت نائمين؟ولمادا انقلبت أحوال الجو فجأة هكذا؟فهرعوا نحو الثياب المعلقة وهموا لستر أنفسهم وللوقاية من البرودة التي تسربت إلى أعماقهم.حينها أطلقوا زفرات ونحنحات وضحكات باهتة،ثم تفرقوا يجمعون شتات أفكارهم،ويسترجعون بقايا ذكرياتهم البالية ليخوضوا في اكتشاف الحقيقة، حقيقة أنه لامساواة في الأحلام،ولا مساواة في أشياء أخرى كثيرة.